مراتب المعنى :مروان ياسين الدليمي

67 مشاهدة
admin
مقالات
مراتب المعنى :مروان ياسين الدليمي

 

 

سعيد بنكراد في كتابه»سيميائيات النص ـ مراتب المعنى»: السرد سلطان الزمان

 

مروان ياسين الدليمي

 

ظل النص غائبا في النقد وإذا حضر فلا يحضر عند القارئ إلا باعتباره ذريعة لقول أشياء في السياسة أو الأيديولوجيا أو الاحتفاء بذاتية ترى في نفسها مصدرا لكل معنى، هذا ما يفضي به سعيد بنكراد في مقدمة كتابه «سيميائيات النص ـ مراتب المعنى» ليصل إلى نتيجة هي أننا لم نكن نعرف إلا الشيء القليل عن عوالم النص، لغته ومكوناته وعلاقاته الداخلية وآليات الإنتاج والتأويل فيه. وبناء على ذلك يتناول ظهور التيار البنيوي، باعتباره معرفة جديدة تختص بعوالم النص، في انفصال عن كل ما يحيطه، بما يعني لا يمكن البحث عن مضمون النص خارج لغته، ثم يصل بنا إلى السيميائيات التأويلية، التي فتحت النص على آفاق جديدة، تجعل من التأويل غاية قصوى لكل تحليل، إلا أنها لا تستنبت المعطيات الخارجية داخل النص، إنما تبحث عن المعرفة الدالة عليها، من خلال البناء اللغوي ذاته. كما أنها لا تبحث عن مركز في النص، بل تشق إليه طريقا تلعب فيه لحظة التلقي دوراً مركزيا، والمعنى فيها ليس كَماً، إنهُ سيرورة تبنى في فرضيات القراءة. وفي ختام كلمة التقديم للكتاب يوضح بنكراد الغاية من إصداره، فيعده محاولة منه للإجابة على عدد من الأسئلة لرسم بعض الحدود الخاصة بمجموعة الرؤى التحليلية، التي تخص نصوصا من كل الطبائع. وفي ما يتعلق بمحتويات الكتاب فبالإضافة إلى المقدمة، فقد توزعت على قسمين، القسم الأول حمل عنوانا رئيسا «السيميائيات وقضايا النص» تفرع إلى عناوين مختلفة. والقسم الثاني جاء بعنوان» دراسات تطبيقية « أيضا توزع على مجموعة عناوين فرعية.

العَلامَة

في المقام الأول يعرف بنكراد العلامة باعتبارها أداة رمزية موجهة لتنظيم تجربة فعلية لا أفق لها خارج اللغة، إنها دال يحيل على مدلول، في انفصال عما تقوم اللغة بتمثيله، أو هي مثال مرتبط بموضوع، استنادا إلى صيغة رمزية هي ما يجعل الإحالة قابلة للاستمرار في الذاكرة، بعيدا عن قاعدة التمثيل المباشر، إن العلامة في الحالتين معاً لا تقوم بالكشف عن موضوعها، من خلال تقديم نسخة موازية له هي صورة لِمَا يُمكن أن يدركه المتلقي، بل تعيد صياغته ضمن سيرورات الرمز.

يعد النص في أبسط تعريفاته من وجهة نظره، محاولة لتسييج كَم معنوي يشكو من ضفاف، وتستوي في ذلك نصوص الشعر الرواية والمسرح والصورة ومجموع الوقائع القابلة للعزل، وأن أصل فنون القول والبصر يرى أنه تأكيد على فصل شيء ما عن تربته الأصلية.

تداول النص

أما بخصوص التداول في أمر النصوص فلا يمكن أن يتم في انفصال عن السيرورة الثقافية التي يتشكل داخلها المعنى، ويصبح قادرا على التدليل، بتعبير كريماس أنها وحدها قابلة للتحديد، ومن خلالها يستقيم حجم المعنى في النص، فهي مستودع الحياة وبؤرتها، وشكل من أشكال وجودها المجرد في الذاكرة. والنص بحكم إكراهات البناء الفني يجده يتضمن استراتيجية تأويلية تستوعب القارئ ضمن فرضياتها، ومعنى ذلك أن النص يولد في أحضان القارئ. ويصل في قراءته إلى أن المعنى عندما يكون في النص وحده معناه أن السلف لم يتركوا للخلف شيئا يمكن أن يقولوه عن نصوص لم تُسلِم لحد الآن سوى جزء بسيط من أسرارها.
النص صناعة للمعنى
يعد النص في أبسط تعريفاته من وجهة نظره، محاولة لتسييج كَم معنوي يشكو من ضفاف، وتستوي في ذلك نصوص الشعر الرواية والمسرح والصورة ومجموع الوقائع القابلة للعزل، وأن أصل فنون القول والبصر يرى أنه تأكيد على فصل شيء ما عن تربته الأصلية، ووضعه في حالة يكون فيها منفردا، حاملا لهويته في ذاته، أي أنها صناعة للمعنى، ولن يكون الحكاء قصاصَاً إلا إذا كان قادرا على بناء عالم، فالنص عبارة عن شبكة من العلاقات تنتظم في ما بينها، استنادا إلى قوانين بنيوية خاصة، يُعَد التعرف عليها مطلبا رئيسا، لتحديد المعنى أو المعاني التي يحيل عليها، إنه وحدة دلالية، ميزَتهُ الرئيسية أنهُ ليس متتالية من الجمَل لا رابط بينها، بل هو بناءٌ قَصْدي. وفي التعاطي مع المعنى يضع أمامنا شرطا مركزيا أساسه في الوجود والاشتغال، هو إمكانية الربط بين شيئين لا يمكن أن يكون لأحدهما معنى، إلا في علاقته بغيره، تماما كما هي حال الكلمة المعزولة في القاموس، إنها خارج السياق، إما صامتة لا تقول أي شيء، وإما مهذارة دالة في كل الاتجاهات، بدون أن تقود إلى معنى بعينه. ثم يعرض لنا شرحا لمقولة أمبرتو أيكو»الافتراض التأويلي»: فهي سؤال يضعه القارئ على النص، بمعنى أن المركز ليس في النص، كما اعتقدت البنيوية، إنما في فعل القراءة ذاتها، لذلك كان النص دائما متعدد المقاصد والغايات، إنه يوكل إلى قارئه المحتمل القيام بما يشبه الربط بين أفقين لا يستقيم أحدهما دون وجود الآخر، فالوحدات الدلالية حية في وعي المتلقي لا في ذاكرة النص، أي أن النص لا يتمتع بدلالات، إنه مستودع لسياقات فقط، بمعنى أن الذاكرة الكلية للكلمات مودعة في القاموس، أما مردوديتها التعبيرية فموطنها السياق وحده، لذلك كان السياق شاملا للفضاء وللزمان وموقع الذات المتكلمة من كلامها، ولطبيعة العلاقات بين الأفراد، وغيرها من المقامات الخارجية، التي تؤثر كليا أو جزئيا في بناء النص. وهو ما يعني أن النص استراتيجية، ولكنها لا يمكن أن تقود إلى شيء خارج ما يتوخاه الفاهم.
الدلالة المُضَافة
يتطرق بنكراد إلى أبحاث رولان بارت، حيث يؤكد على مهمة أساسية لكل سميولوجيا تروم تقويض دعائم الأنساق المزيفة، ونفض ظلال الاستيهام عنها، فعبر البداهات يتسرب الثقافي إلى تفاصيل حياتنا، ليغطي على المُعطى الطبيعي فيها، وستكون الغَلبةُ للمعنى الثاني على المعنى الأول، وستُغطي اليافطة التزينية على الوظيفة النفعية، وفي الحالتين معاً، سنخرج من دائرة النفعي والمباشر والمألوف، لكي نُمسك بالدلالات المضافة.
الثقافي والأسطورة
وفي ما يتعلق بالأسطورة يستعرض لنا راي بارت، الذي يرى في العنصر الثقافي داخل الأسطورة، يتشكل من علامات خاصة تسمح للذات بالهروب من النفعي في وجودها اليومي، بحثا عن قيم المتعة والنشوة والانطلاق، ضمن حالات استيهام، وقوده الأساس هو الاستهلاك، وهذه القيم هي ما يشكل في تصوره ما يسميه «الأساطير». ويتابع راي بارت في الأسطورة إذ يجدها «لا تخفي أي شيء، إن وظيفتها تشويهية، إنها تقوم بالتغطية على شيء ما»، ذلك أن الرابط بين المفهوم (الأسطورة) والمعنى هو في الأصل من طبيعة تشويهية.
لا خلاص خارج النص
يعيدنا بنكراد إلى ستينيات القرن الماضي عندما أطلق أ. ج. كريماس دعوته بالعودة إلى النص وحده، فلا خلاص للناقد خارجه، إذ لا قصد هناك سوى ما يمكن أن يُسَلمه هذا النص طوعا أو قسراً، فهو مستودع الدلالات بعيدها وقريبها، وهو قول مستوحى بشكل مباشر من أدبيات مسيحية، كانت ترى في الكنيسة الملاذ الأول والأخير للمؤمن، إنها المالك لمفاتيح الحقيقة والمعنى في النصوص وفي الحياة، ولكنها كانت وثيقة الصلة أيضا بالظاهراتية التي دعت بالعودة إلى الأشياء ذاتها، ففي محدداتها الظاهرة يسكن المعنى، إنها حاصل»عملية ملء» هي مصدر وجود هذه الأشياء، وتلك ذاكرتها الوحيدة عند المتلقي، وما يسميه ميرلو بونتي «الظاهر الكلي»الذي يستوعب الشيء والذات التي تتأمله في الوقت ذاته. ويضيف في هذا السياق، لن يكون مصدر المعنى في النص هو ما يحيل عليه في الواقع، بل مصدره الشحنة الرمزية التي يستثيرها، ذلك أن الأديب لا يستعمل الكلمات لقول شيء ما، بل من أجل تلمس المتعة في انتظام الكلمات ذاتها، وتلك هي»الأدبية»، التي فصل القول فيها جاكوبسون والشكلانيون في موسكو وبراغ في عشرينيات القرن الماضي.

semio - موقع سعيد بنكراد  2021

النص بناء لساني
يذكرنا بنكراد بأن المشروع السيميولوجي تأسس وفق رؤية سوسيرية، من هنا يشير إلى ما توصل اليه سوسير في بداية القرن العشرين، وما بشّر به بالسيميولوجيا، باعتباره علما جديدا سيتكفل بدراسة كل الأنساق الدلالية، بما فيها اللسان ذاته. ثم يعود كليطو إلى اللسان من جديد، ولكن من بوابة الذات المتكلمة، التي تعيد صياغة الكون داخل اللغة من موقع الفردي والخاص، استنادا إلى كميات انفعالية استبعدها سوسير في تعريف اللسان، لأنها متعددة ومتنافرة، ولا تشكل موضوعا للدرس اللساني، ومع ذلك فإن ما يحضر في النص، باعتباره وضعيات توصف داخلها وقائع وسلوكات، يمكن استعادته في شكل مفاهيم تختصر الوجود وترد المتعدد إلى كيان مستقل قابل للعزل والوصف.
الانفصال عن النص
يتطرق الكتاب إلى تصور غريماس للسيميائيات السردية، فهي من وجهة نظره تساؤل حول السيرورات المنتجة للمعنى، عبر توسط سردي هو الفاصل والرابط بين القيم المجردة وبُعدِها المشخص في وضعيات إنسانية بعينها، فبؤرة السردية توجد في ما هو سابق على النص، إنها مودعة في صيغ مجردة قابلة للتشخيص، في فضاءات قادرة على احتضان الفعل الإنساني، كما يمكن أن يتحقق في حياة الناس لا في القواميس الصامتة، وهي صيغة أخرى للقول، وهناك مستوى سيميائي سابق على التجلي النصي، هو الذي يحتضن كل ممكنات الفعل كما يصاغ داخل الفعل السردي. ففي هذا المستوى تنتظم كل القيم التي يتداولها الناس في ما بينهم، وينظمون علاقاتهم مع بعضهم ومع محيطهم. ومن شروط التحليل لدى غريماس، الانفصال عن النص الموضوع للتحليل، وشرط الانفصال الاستعانة بمصطلحات تسمي وتسيج مناطق المعنى، وتفصل بينها وتحدد مستوياتها.
دراسات تطبيقية
في القسم الثاني وفي موضوع حَمَل عنوان «السرد سلطان الزمن» يرى كليطو أن وجودنا في السرد التخييلي دائما أقوى من وجودنا في حقيقة التاريخ، فما تقوم الرواية بتمثيله لا يمكن بالقطع إلغاؤه أو تعديله أو التحكم في كل امتداداته. ذلك أن عوالم السرد تُبنى ضمن سيرورة حدثية، تتطور خارج دفق حياتي، لا سلطان للناس عليه، وتلك هي الواجهة التي يستمد منها التمثيل السردي مادته لكي يشخص ما يحدث أو يصف ما مضى، أو يستبق ما يمكن أن تأتي به الأيام. وفي تناوله لموضوع «الإشاعة ـ السرد والحقيقة المحجوزة»، يتطرق إلى تعريف الإشاعة، فيعزو جزءا كبيرا من المعرفة التي يعتمدها الناس في تدبير شأنهم اليومي مبنية على شكل إشاعات، أي في شكل أحداث غير قابلة للمراقبة والتصديق والضبط، ولكنها تعد مع ذلك قاعدة مركزية لانتظارات شتى، بعضها شرعي ومرتبط بالكثير من الأماني الفردية والجماعية، وبعضها الآخر من صنع الأحقاد، وهي لا تختلف في بنيتها السردية عن الحكاية الشعبية، أو ما يطلق عليه الفرنسيون الخبر العارض. ويرى أن ما تنسجه الإشاعة يتحول إلى بنية مجردة غير قابلة للتجسيد في واقعة بعينها، لذا يؤدي الإفراج عن حدث وتحديد مضمونه الحقيقي إلى خيبة كبيرة عند الجمهور، فهو الأداة المروجة للإشاعة. ومصدر ذلك طبيعة الحقيقة ذاتها، انها لا تغري ولا يكترث الناس لها في العادة، أو لا تشكل المعطيات المعروفة حدثا يمكن أن يشد انتباههم.
مراتب المعنى
وفي موضوع الفنون من وجهة نظره، فإن الشكل لا يحتاج إلى إدراك، فهو ثابت في العين، إنه يحتاج إلى تأويل، وهو ما يقود إلى القول إن من يدعي القدرة على فهم الأشكال بدون الاكتراث بمعانيها، لن يتخلص أبدا من انفعالاته، ولكن من يدعي تأويلا فنيا بدون أن يلتفت إلى ما تقوم بتمثيله ليس مؤرخا للفن، بعبارة أخرى إن الذي يتأمل موضوع إدراكه بعيدا عن كل الغايات، وحده يستطيع تلمس عناصر الجمال فيه. وهناك موضوعات أخرى لا يتسع المجال أمامنا لتناولها، مثل(الأنِيثَة والرجِيل في سيميائيات الأنوثة، الإنسان كائن لغوي، اللغة والقاموس، في سيميائيات التواصل السياسي). ­­­­
«سيميائيات النص ـ مراتب المعنى»
المؤلف: سعيد بنكراد
منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف / دار الامان – الرباط

 

عن القدس العربي

سعيد بنكراد في كتابه»سيميائيات النص ـ مراتب المعنى»: السرد سلطان الزمان

 

الاخبار العاجلة