التأويل وتجربة المعنى

108 مشاهدة
admin
مؤلفات
التأويل وتجربة المعنى

 

سعيد بنكراد

المركز الثقافي للكتاب

2023

 

 

مقدمة

 

نحاول في هذا الكتاب التداول في بعض قضايا المعنى، في حالات ولادته ونموه في الكلمات، وفي حالات انتشاره في سلوك الناس وطقوسهم وإيماءاتهم وصورهم. فالمعنى مِهاد الكينونة، هو شرط التأنسن والتحضر وهو شرط إنتاج المعرفة وتداولها أيضا؛ إنه موطن الإنسان وغطاؤه، وهو أيضا سبيل الناس إلى بعضهم البعض. إنه أداتهم في تدبير شؤون أنفسهم وشؤون الآخرين وشؤون الكون كله. فنحن نحضر في العالم من خلال ما تقوله الكلمات عنا، ونسكن أجسادنا من خلال ما يكشف عنه الحجم الدلالي فيها.

لذلك كنا في حاجة إلى التأويل، لأن هذه الكلمات لا تحمل ما يكفي من الحقائق عن الأشياء التي تحيط بنا، أو تقول عنها أكثر مما يجب قوله، أو تسميها لغايات تتجاوزها. فجزء من هوية الإنسان مودع في رغبته في أن يكون أكبر وأوسع وأعظم مما يسمح به شرطه ككائن فانٍ. “فأن ينساق المرء، في هذه الحالة، وراء متاهات المعنى، فإن ذلك لا يُشكل تناقضا عنده، فهو يسعى إلى خلق توافق أمثل مع نفسه” ومع محيطه. وليس غريبا أن ينظر رولاند بارث إلى النشاط الدلالي باعتباره “ما يُصالح بين الطبيعي والثقافي في حياة الإنسان”.

لذلك كان المعنى صياغة ثانية لوجود لا يمكن أن يكشف عن نفسه إلا من خلال دلالته في الذهن. فقد يتجلى في التسميات والصفات والتعيين، وقد يكون أيضا قصدا ووجهة وغاية. فهو وسيلتنا من أجل إعداد “مناطق” جديدة لا يمكن أن تُدرَك في حقيقتها إلا من خلال فهم مضاف يستحضر ما نما وترعرع على هامش “الحقيقي” في حياة الناس. فنحن لا يمكن أن نفهم إلا ما له معنى، ولا يمكن أن نسير إلا في الطرق المؤدية إلى مآل.

وهذا ما يجعل المعنى واقعة ثقافية. فلا مجاز في النفعي في حياة الناس، ولكنه مع ذلك، لا يمكن أن يُدرك إلا ضمن ما تبيحه العقائد والأحكام الاجتماعية. أسماؤنا ذاتها لا يمكن أن تستقيم في التداول وفي السجلات المدنية إلا إذا كانت مُنتقاة من مستودع تبيحه السلطة، أي تستقيم داخل شرعية الدين أو شرعية الانتماء الطائفي أو العرقي (لا يسمي الشيعة أبناءهم عمرَ أو أبا بكر).

وهي صيغة أخرى للقول إن الإنسان يخرج من ذاته وفق محددات النشاط الدلالي في سلوكه. فهو لا ينصهر في الطبيعة، إنه يلتقط رموزها كما تتجسد في هذا السلوك، وكما تسكن ذاكرته وأشياءه. إنه لا يمشي، إنه يتنقل في الفضاء وفق غايات بعينها، وهو لا يصرخ، إنه يُصدر أصواتا دالة في الكلام لا في الطاقة الصوتية. وهو لا يستنسخ بالصور ما تراه عيناه، بل يبني نصوصا على هامش الماثل أمامه في الطبيعة. وهو يعي وجوده في الزمن مجسدا في تعاقب الأيام والفصول، وفي ما يخلفه من شباب ونضارة وتجاعيد وترهل. إنه فعل ذلك كله لأنه بلور نسخة أخرى من الكون لا يمكن أن تعيش إلا في رموزه. إن المعنى، والعلامات الحاملة له، هو وحده الدليل على وجودنا في الكون، فنحن نوجد في ما يقوله الكلام عنا، لا في حضورنا المباشر في الطبيعة.

 

المحتويات

-مقدمة

– التأويل أو المعنى في كل حالاته

-المعنى وظلاله

-الأهْواء أصل اللغات

-الإيماءة والكلام

-ترى العين ما تود أن تراه

-الفن: بين حسية المتعة ولذة التأويل

-حذاء فان غوغ

-بين الرواية والسينما

-الافتراضي والذاتيّات المستَبِدّة

-“الكلام” والزمنية الافتراضية

-الحياة… عن بعد

-المثقّف والخبير

-“التنسيقيات”: الشعبوية وحالات تشظي المعنى

– بين التسامح والاختلاف

“همجية” التمدن و”برية” الغابة

-صدمة الولادة وأسطورة العود الأبدي

الاخبار العاجلة