الصورة الإشهارية : آليات الإقناع والدلالة

95 مشاهدة
admin
مؤلفات
الصورة الإشهارية : آليات الإقناع والدلالة

 

نحاول في هذا الكتاب أن نقدم للقارئ الناطق بالعربية نظرة، نتمنى أن تكون وافية عن آليات صناعة الإشهار، عن أنواعه وخطاطاته وتقنياته واستعمالاته للموروث والمعطى الموضوعي والأساطير. وسنتحدث في فصوله الستة عن التواصل وعن آليات الإقناع ومفاتيح الإغراء، كما سنشرح خطاطات البيع وآليات التسويق. ونحاول عرض ذلك كله من خلال ما يمكن أن تأتي به الأنشطة الإنسانية التي يتحدد من خلالها الإنسان باعتباره كائنا متواصلا. فلا شيء في الوجود يمكن أن يدرك خارج رغبة الإنسان الدفينة في أن يكون أكثر من فرد معزول، فما لا يتحقق عنده في الواقع يعيشه في شكل استيهامات وأحلام وصور دفينة قد لا يدرك وجودها بشكل واع أبدا.

إن التواصل، بأشكاله وأدواته هو البوابة لفهم تقنيات الإشهار. فالكائن البشري بدأ متلصصا على نفسه وعلى رفيقه في الكهوف وانتهى عاريا أمام نفسه وأمام الآخرين، فلا حجاب يستره سوى الصور التي توهمه بأنه في منأى عن الفرجة الذاتية والتوجيه المضلل. فما يسمى التواصل الجماهيري ليس في واقع الأمر سوى سلسلة من حالات التلصص والاستبصار المدفوع الأجر. لقد تسلل الإشهار إلى أكثر التفاصيل دقة في جسد الإنسان، فاختار له كل شيء، “سْليبه” و”فوطاته الصحية” و”نهدياته”، واختار له حبات المنوم ومسكن الآلام، بل اختار له آراءه في السياسة والاقتصاد والاجتماع، كل شيء معروض للبيع، حتى حالات الموت حاضرة في الوصلات، فالرحلة الأخيرة ذاتها لا يمكن أن تسلم من “حالات التنافس” بين الموتى وهم يشيعون إلى مثواهم الأخير. فأن يختار لك، معناه أن يضعك موضوعا للفرجة، فلا قيمة للفرد خارج الفرجة، أمام نفسه وفي الفضاء العمومي.

إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقول الأصوليون، لذلك لا يمكن أن نفهم الإشهار بالإعراض عنه، أو بتجاهله ، أو بالتنكر لآثاره الحقيقية في معيش الناس وتصوراتهم للأشياء. إنه حقيقة موضوعية تحاصرنا من كل الجوانب. إن مدخلنا للتصدي والمقاومة هو العلم ذاته: معرفة أساليبه في الدعاية والتواصل والتسلل إلى لاشعور مستهلك تأتيه الحاجات من أمامه ومن خلفه. فالمستشهر ليس براحا، ولا حتى وارثا للأساليب البالية “للريكلام” القديم الذي كان يكتفي بتسويق الحاجات التي يعرفها الناس ( أو جلهم). إن المستشهر “خالق للحاجات ومشبعها”، إن لم تكن هناك حاجة وجب خلقها من أجل البيع والبيع وحده. إنه لا يكتفي بذلك، إنه تبسيطي، فهو لا يتردد في استعمال الأحكام الجاهزة وما تسرب إلى “الرأي” كمسبقات بدون سند لكي يعيد إنتاجها ويوزعها على الكائنات الباحثة عن مسكِّن في استيهامات الإشهار أو في التطهر الشرائي.

إن الإشهار حالة من حالات “التواصل الفعال”، فهو منتج الواقعة وطرفها الأسمى، لذلك يقول ما يشاء وفق ما يتوهم الناس أنهم في حاجة إليه. فهو خليط من الأسناد وأصناف القول، إنه”ضرب من ضروب الخطابة التي تنتمي بدورها إلى مجال عريض من القول هو الجدل الذي يحيط بأجناس من الكلام الممتد من خطاب الحياة اليومية والتواصل المعتاد إلى الخطاب الفلسفي، أي الخطاب المتعارض مع العلم التجريبـي، الذي يدعم ادعاءاته بالاحتكام إلى التجربة؛ كما يتعارض مع العلوم النظرية التي تدعم ادعاءاتها بالبرهنة المحايثة: الرياضية أو المنطقية”(1). ومع ذلك لا يتردد في إيهام الناس بالتجربة والقياس والمقارنة العلمية.

إن الوصلة الإشهارية ليست عرضا محايدا لمنتج خال من الدلالات، إنها نص؛ وكباقي النصوص لا يمكن أن يستقيم وجودها إلا من خلال العزل والاقتطاع القصدي، عزل وضعيات بعينها من أجل التعبير عن معنى بعينه. سبيلها في ذلك الكلمات والأشكال والألوان وما بقي من حالات إقناع كسيح، يضلل أكثر مما ينير الطريق. لذلك لا يستطيع الباحث قول أي شيء عن الوصلات الإشهارية التي تختفي في ثوب الفرجة الحياتية إن لم يكن على دراية بطابعها ذاك.

ومع ذلك، سنحاول أن نكون أوفياء وصارمين في عرض التصورات الخاصة بهذه الخطاطات، كما سنحاول أن نعرض للإيديولوجيات الإشهارية بأمانة، كما تتحقق من خلال تصميم الوصلات وطريقة تصور المعنى. سنفعل ذلك لأن ما يأتي من الإيديولوجيا لا يمكن أن يقاوم إلا بالعلم. ومن هذه الزاوية، يعد هذا الكتاب ( أو نتمنى ذلك) مقدمة لفهم آليات اشتغال الخطاب الإشهاري، ومدخلا لمقاومته.

———-

هوامش

1- محمد الولي : الإشهار أفيون الشعوب المعاصر، مجلة ” علامات” عدد 27 2007، ص5

 

المحتويات

-مقدمة

-الفصل الاول    : استراتيجيات التواصل : التلغراف والاركسترا

-الفصل الثاني    : الإشهار : بعض المحددات

-الفصل الثالث : بناء الوصلة : الإيديولوجيات الإشهارية

-الفصل الرابع  : الخبر والتواصل والتواصل الفعال

-الفصل الخامس: الوصلة : من اللفظ إلى الإيقاع التشكيلي

-الفصل السادس  : الإقناع الإشهاري : استراتيجية القرصنة

الاخبار العاجلة